العميد الركن .م.جورج جاسر
مع بداية العقد الثاني من هذا القرن بدأت ثورات الربيع العربي تنقلها من بلد الى آخر ،* رافعة شعارا لهذه الغاية،” الشعب يريد اسقاط النظام”* ،اضافة الى شعارات ورموز ، يستحق لكل شريف ومثقف وحر الوقوف عندها نظرا لاحقيتها ومساندتها.
ظنت قوى التغيير العربية والنخب بان هذه الثورات تساعد شعوبنا بالتغيير ،ووضعها على طريق الحداثة والتنوير ،نظرا لتخلف تلك الانظمة والتعسف والظلم الذي لحق بهذه الشعوب الثائرة .
تخللت هذه الثورات حروب عبثية على دول المنطقة وظهور الداعشية المقيتة ، حيث تعزز ت الحرب الطائفية انطلاقا من سوريا والعراق وصولا الى كل دول العالم .
وبعد مضي عشر سنوات ونيف على تلك الثورات وتكشف النوايا الحقيقية والخبيثة للدول الداعمة لهذه الثورات ، عرفت تلك الشعوب انه غرر بثوراتهم الشريفة وبنضالاتهم ، وفتحت الحدود بين الدول العربية، ولم يعد لمبدأ سيادة الدولة الوطنية اي اعتبار ،نظرا للدعم الدولي لهذه الحرب والاسباب الجيوستراتيجية من ورائها.
نال لبنان نصيبه من هذه الحروب حيث بقيت المعارك وقتال هذه الخلايا الارهابية محصورة بعمليات تفجيرية محدودة، وحصر نشاط اعمالهم القتالية على الحدود الشرقية والشمالية للبنان ،الى ان انتصر الجيش عليهم في معركة فجر الجرود بمؤازرة مقاتلي المقاومة ودحرهم من سلسلة جبال لبنان الشرقية .
في هذه الاثناء كان لبنان ينعم بهدوء وامن يعتبر الافضل بين دول المنطقة، لو لم ينجح الارهابيون من وقت لآخر بتفجير بعض العبوات في مناطق لبنانية مختلفة ،الاان هذه التفجيرات الارهابية لم تسلم منه ايضا معظم دول الكبرى التي تتفوق علينا فنيا وعسكريا ومخابراتيا .
كان الجميع ينظر الى الحرب الجارية في سوريا بحيرة وريبة وهي التي لا يفصلنا عنها سوى سلسلة جبلية واحدة ،رغم سقوط مبدأ سيادة الدولة الوطنية وفتح الحدود، كان يراود المراقب دائما *فكرة او سؤالا :”لماذا يحيدون لبنان في حينها من صراعات المنطقة وما هو السبب من ذلك” ؟* حتى كانت التقارير المخابراتية الدولية تساعد وتتعاون مع مخابرات الجيش والقوى الامنية الاخرى بكشف الشبكات الارهابية وضربها قبل الشروع في عملياتها في الداخل اللبناني.
*كانت التحليلات والاجابات حول غض الطرف الغربي هذا ، تتمحور حول عدة اسباب:*
*اولا* :ان لبنان في حال سقوطه سيجعل حزب الله مسيطرا على القرار في البلد ،وان الولايات المتحدة الاميركية تقوم بانشاء اكبر قاعدة عسكر ية فيه ومن ضمنها سفارتها المعتمدة في لبنان وبالتالي ، لا يمكن لسفارتها ان تكون خاضعة للنفوذ الايراني نظرا لدعم الاخيرة لحزب الله ماليا وعسكريا وعقائديا.
*ثانيا* :ان لبنان الهادئ والمستقر، حاجة استراتيجية للدول المستفيدة ، وبسبب قربه من سوريا ، سيكون مقرا ومصدرا لاعادة اعمار سوريا فيما لو انتهت الحرب فيها .
*ثالثا *:لبنان حاجة دولية ولا يمكن ان يسقط لتنوعه الثقافي والحضاري ونظرا لنظامه الديمقراطي الوحيد في المنطقة .
*رابعا* : النظرية الرابعة وهي ان القاعدة الروسية في طرطوس السورية ينبغي ان يقابلها قاعدة عسكرية اميركية في لبنان نظرا لتواجد هذه القوات في قاعدة حاماة البترونية تحت غطاء نظري ،تدريبي للقوى النظامية اللبنانية وفعلي في عوكر ،ومنهما يتسنى لها عدم ترك الساحل الشرقي لسوريا ولبنان للقوات الروسية دون مراقبة .
*استنادا للنظريات الاربع السابقة يمكننا استنتاج مايلي :*
*الاستنتاج الاول*: تبين ان جميع هذه النظريات غير ثابتة ولم يوخذ بها ،وها نحن اليوم امام انهيار اقتصادي ودولة فاشلة عاجزة عن تكوين سلطة مركزية قادرة على تثبيت امن اجتماعي مستدام، وحماية الدولة والنظام من الانهيار ،بسبب تخلي المجتمع الدولي عنه كليا نظرا لارتباطه بمحور المقاومة ،علما ان لبنان كان يتبع هذه السياسة منذ سنين طويلة.
*الاستنتاج الثاني* :يظهر جليا ان القرار الفعلي في منطقة الشرق الاوسط اصبح بيد العدو الاسرائيلي وليس بيد اميركا، الا في ما عدا بعض الامور الاستراتيجية المشتركة، وان نظرية لبنان الآمن والمستقر والمحيد اصبحت شعارات غير قابلة للتطبيق.
*الاستنتاج الثالث :* عمليات التطبيع الحاصلة بين العدو الاسرائيلي والدول العربية لتكون الاخيرة راس جسر لعبور اسرائيل الى السوق العربية ،ومحاصرته سياسيا واقتصاديا.
*الاستنتاج الرابع*: انفجار مرفا بيروت واحتمال كبير لتورط اسرائيل به، حيث كل الدلالات تشير الى ذلك ،واستبعاده عن لعب دور اعادة اعمار سوريا ،ليتسنى لها ان تلعب الدور الريادي بذلك من خلال، مرفا حيفا او اقله من خلال المرافى العربية الاخرى التى جرى التطبيع معها.
*الاستنتاج الخامس* : الزام لبنان باجراء ترسيم للحدود البحرية ومن ورائها ترسيم للحدود البرية ،واطالة هذه المفاوضات اكبر قدر ممكن لمنع لبنان من الاستفادة من موجودات النفط ،وبالتالي تاخيره لمنع سد ديونه وابقاء لبنان متعثرا وخاضعا للقروض الدولية التي لاسرائيل اليد الطولى بالتحكم بمنحها ،والابتزاز السياسي من ورائها.
*في النهاية هل سيكتب للمبادرة الفرنسية النجاح قبل فوات الاوان، بانقاذ لبنان دولة وكيانا ،ام ان سقوطه اقتصاديا هو توطئة لسقوطه امنيا ،ويكون الضحية في لعبة المصالح الدولية والخريطة الجديدة لمنطقة الشرق الاوسط؟.*
قم بكتابة اول تعليق