العميد الركن المتقاعد جورج جاسر
منذ نشأة لبنان الحديث والازمات تلاحق هذا الكيان “الهجين ” .
لم يكتب لهذا البلد ان يستقر من الناحية السياسية اوالاجتماعية اوالتنموية او الاقتصادية اوالامنية ، بل تضاعفت ازماته مع نشوء كيان العدو الاسرائيلي على حدوده الجغرافية ،وما نتج عنه من ويلات ومآسي على الشعبين اللبناني والفلسطيني .
فالجغرافيا السياسية لكل البلدان تفرض على حكوماتها سلوكا وحكما رشيدا يجعل سياساتها تتناسب مع الجغرافيا وموجوداتها ،وان تتعاطى مع قدرات بلادها بما يحمي ويحصن ثرواتها ،ويحمي مكوناتها الاجتماعية والبشرية ،وان تسعى لتطوير بنيتها التحتية والاقتصادية والعسكرية ،والسياسية .
لم تستطع السلطة في لبنان ان تطور النظام السياسي الا من خلال بعض التسويات وبرعاية دولية واقليمية لهذا النظام الهش ،دون تمكن اللبنانيين من ايجاد حلول داخلية بدون تدخل خارجي ولو مرة واحدة منذ زمن الاستقلال وحتى يومنا الحاضر .
تعمل الدول الكبرى جاهدة لاستطلاع مراكز القوة او مراكز الثقل في الدول المنوي استهدافها او التاثير عليها لتطويعها عند الحاجة ،فكان في لبنان القطاع المصرفي والقوى الامنية (وخاصة الجيش) والمقاومة اهم مراكز للثقل لضربها وفرض شروطها عليه .
استطاعت الولايات المتحدة الاميركية ومن خلفها اسرائيل ضرب مركزالثقل الاول وبقي الثاني متماسكا ، وما برحت تخلق له الازمات للهدف عينه، وما زال الجيش ينوء تحت اعباء ومهمات وضغوط شتى حتى اشعار اخر .وقد استثني دور المقاومة، ولا اقلل من اهميته كمركز للثقل ،وانما لطالما اصبح مادة جدالية بين مكونات الشعب اللبناني والذي ادى الى اضعاف دورها وطنيا .
رغم انها من اهم عناصر قوة لبنان الا انها تبقى موضع خلاف وعدم توافق جميع مكونات الشعب اللبناني على ادائها ومستقبل وجودها ،ورغم تعادلها مرتبة مع مركزي الثقل تبقى انها لا تحظى على اجماع اللبنانيين، وتبقى ثغرة يستطيع اعداء لبنان الولوج الى الداخل اللبناني من خلالها للتاثير عليه واضعافه .
اضافة الى مراكز الثقل هناك عناصر اخرى اقل اهمية وقد كان لكل منها سبب لانهياره ،والتي سنستعرضها بالاتي :
*فما هي مكونات هذا البلد بالمفهوم الجيوسياسي؟ ،*وهي التالية :
*الحدود،المياه ،الديموغرافيا،الثروات المائية والنفطية ،السياحة ،النظام السياسي ومكوناته، النظام الاقتصادي،
النظام المصرفي ،الاغتراب ،القوى العسكرية، المقاومة.
اذا استعرضنا جميع هذه العناصر واسقطناها على واقع لبنان الحالي نجد ما يلي :
١-*في الحدود:*
لبنان على تماس مع هذا الكيان الغاصب
والرافض لكل الشرائع والقوانين الدولية والقرارت الاممية .
عانى هذا البلد من ويلات هذا الكيان التي لا تعد ولا تحصى ،وبالمقابل حدوده الشرقية والشمالية مع الدولة السورية التي تعتبره جزءا من اراضيها وتعاملت معه كضاحية من ضواحي عاصمتها، وبقي هذا التعاطي حتى الامس القريب حتى فرض الوصاية عليه بمباركة دولية ،وتوقيع اتفاقية تعاون وتنسيق بين البلدين، وما ادرانا من اتفاقية توقع بين بلدين احدهما تحت وصاية البلد الاخر ،من حيث العدالة والشرعية .
٢-في النظام السياسي *:نظام مهترئ عفن يستولد الازمات والحروب عند كل استحقاق داخلي او اقليمي ،نظام بيروقراطي اقطاعي لا تهمه حاجات المواطن بل حاجة الاقطاعي والزعيم والطائفة ،ما جعل المواطن يعيش في ظل دولة غيرعادلة ،ومواطن يتحين الفرصة للانقضاض عليها،وسرقتها وعدم الولاء لها .
٣- في الاقتصاد :نظام مصرفي بحالة انهيار واقتصاد مشلول ويتحلل يوما بعد يوم.
٤-في *المياه والنفط : مياه شبه ملوثة قسم منها يهدر في البحر وقسم آخر لم يتم ترشيده من قبل دولة عاجزة فاشلة .
اما في *النفط* فحدث ولا حرج،هذه النعمة التي اصبحت نقمة ،بعد ان استبشرنا خيرا بان تكون هذه الثروة خشبة الخلاص للاقتصاد اللبناني المنهار، بل اصبح عبئا ثقيلا على الدولة في ظل تشرزم داخلي وطمع دولي واقليمي من خلال عملية ترسيم حدود بحرية قسرية تجريها الدولة مع عدو شرس لا نعلم متى وكيف ينتهي بنا الامر .
٥-في *السياحة* ، فهي معلقة ومعطلة بسبب الوضع السياسي الداخلي ، والاقليمي المتقلب وتخوف السائح العربي والغربي من زيارة لبنان وتوقف هذا القطاع بالكامل ،وما نتج عنه من تداعيات خطرة على الاقتصاد الوطني
٦-في *السكان* او ما ارغب ان اسميه الشعوب اللبنانية وما تعنيه هذه التسمية وارتباط كل شعب بدولة اقليمية وما نتج عنه من فقدان الشعور الوطني والمواطنة الحقيقية والتناحر وتهديد دائم باحتمال حرب اهلية عند كل استحقاق.
٧-في *الاغتراب*، حركة خجولة تحويلات مالية معدومة بسبب القرارات المصرفية الهمايونية واشمئزاز ،وحركة هجرة من الداخل وباتجاه واحد وبذلك خسارة للادمغة وللبنان على الصعد كافة .
٨ -في* *القوى* المسلحة* :مؤسسات امنية منهكة، تتحمل كل اعباء السياسة الداخلية وما تستولده هذه الاخيرة من ازمات على كافة الاصعدة ،مهمات كبيرة على عاتقها، موازنات متواضعة، تكاد لا تكفي الا لتلبية الحاجات الغذائية ،ورواتب متدنية تجعل عائلاتهم وامنهم الاجتماعي مهدد ،ما يعكس سلبا على امن المواطن!! كيف لنا ان نطلب من عسكري غير مكتفٍ كل هذه المهام الجسام كالذي ينفذها ؟
٩- في *المقاومة:*
على الرغم من ان جميع الحكومات في لبنان قد تبنت دور المقاومة في بياناتها الوزارية، الا ان دور واداء هذه المقاومة بقي مادة جدالية بين معظم اللبنانيين، وهذا ما جعلها ان تصبح اقل قوة عما سبق وما يجبرها على اعادة النظر في دورها وادائها نظرا للضغوط الداخلية والوضع الاقتصادي المتردي الذي يعاني منه البلد والضغوط والحصار الاقتصادي والمالي وشتى العقوبات التي تتعرض لها.
*في الاستنتاج:
نستنتج مما تم عرضه من العناصر الجيوسياسية ،ان جميع عناصر قوة لبنان هي في حالة انهيار اواقل ما يقال فيها انها مشلولة.
،وان مركز الثقل الاول (النظام المصرفي) في الدولة قد انهار، هذا يعني انه لم يتبق للبنان وللسلطة الحاضنة لهذا النظام الهش اي من عناصر قوته صامدا ،سوى القوى الامنية المنهكة واخص تحديدا الجيش والذي يتعرض من الحين للاخر الى اطلاق نار سياسية وانتقادات داخلية قاسية .
اضف الى دور المقاومة المترجرج فكيف اذا قرر اعداء لبنان هدم هذا الدرع والملاذ الاخير الذي تبقى؟.
هذه القوى التي يعول عليها اللبنانيون ولم يبق لهم سواها كخشبة للخلاص وانقاذ لبنان .
والسؤال هل تستطيع المقاومة ان تحل مكان الجيش في حال انهياره لا قدر الله في ظل انقسامات داخلية وحصار دولي وفي ظل وضع اقتصادي ومعيشي صعب جدا.؟
الاجابة على هذه الاشكالية سيكون موضوعنا لدراسة لاحقة .عندها ستكون الضربة القاضية لآمال اللبنانيين شعبا وكيانا وعلى الدنيا السلام .
قم بكتابة اول تعليق