العميد ر.م.جورج جاسر
ان مصالح الدول لاتبنى على القيم والكرامات بل على القوة والنفوذ.
قام احد المفكرين اللبنانيين المشهود له بوطنيته بالامس القريب(الدكتور فيليب سالم) ، بتوجيه رسالة الى الكونغرس الاميركي ،يطلب فيها من اعلى مرجع دولي ،سياسي فاعل ومؤثر ،لمساعدة لبنان وانقاذه من الانهيار والتفكك ….واذ اتفاجأ ببعض الاصدقاء العقائديين بوصف هذه الرسالة، بانها رسالة استعطاء واستجداء ووصل الامر بصديق آخرالى حد اتهامه بالخيانة وانتمائه الى الفاشية الشيحية (اي الانتماء الى مدرسة ميشال شيحا واضع الدستور اللبناني في العام ١٩٢٦) .
اشهد باني لا تصلني بهذا المفكر اية صلة او اية قرابة لكي اتبنى ما قاله برسالته وبمضمونها ،ولا تربطني به سوى وطنيته ليس الا.
الى هذا الصديق اقول ، لبنان يمر بأخطر مرحلة في تاريخه الحديث ويتطلب منا جميعا استحثاث الدماغ وابتكار الحلول لانقاذه ،نظرا لما اصاب هذا الوطن الجميل من ازمات وتراكمات، كان للبنانيين دور بوجودها وللدول الاقليمية والدولية الدور الاكبر بتأجيجها .
منذ ١٧/١٠/٢٠١٩ اي تاريخ انطلاق الانتفاضة اللبنانية وبدأ الانهيار الاقتصادي ،ما زلنا نفتش عن حلول ونعصف افكارنا لوقف الانهيار ،لم نقدر حتى تاريخه ان نحصل على نافذة امل للخروج من النفق المظلم الذي دخل به لبنان ومازال ،واكثر من ذلك لم نستطع ان نؤلف حكومة لادارة شؤون هذه الازمات المتراكمة التي تعصف به ،ولا ادخل بالاسباب لانها كبيرة وكبيرة جدا .
كلنا نعلم بعلم السياسة والعلاقات الدولية ان من يضع النظام العالمي هو المنتصر في الحرب ،والولايات المتحدة الاميركية على رأس هذه القائمة ،ولا تزال تمارس سيطرتها وهيمنتها على كل دول العالم بحق او غير حق هو موضوع له نقاشاته ..
وهذه الدولة مع دول كبرى اخرى ،هي التي رسمت الحدود الجغرافية لمنطقتنا وبذور الخلافات زرعت بتكوينها ،وكان للخيانات العربية دور فيها وما زلنا حتى تاريخه ندفع ثمن تلك الخيانات .
ان الدول الكبرى لا تتحالف مع الدول الضعيفة بل مع مثيلاتها ،ولاحاجة لها حتى ان تتحالف مع الدول القوية، اذا كانت هي الاقوى ،وهو الحال مع الولايات المتحدة الاميركية ،وان مصالح الدول لاتبنى على القيم والكرامات بل على القوة والنفوذ ،علما ان لا قداسة في السياسة بل هي فن الممكن،ولا احد يقدم لنا شيئا او خدمة مجانا.
لا يوجد في التاريخ القديم او الحديث دولة استطاعت ان تحكم مدى العمر، فالامبراطوريات تشهد على ذلك ،فكم من امبراطورية اضمحلت (الفارسية والرومانية والعثمانية و..الخ)،ولم يبق منها سوى الاقوى.
تمر في التاريخ شخصيات كبيرة تخلق في شعوبها حالة عنفوان وكرامة لكنها لا تدوم ،هذه القيم قد تبني مجتمعات متراصة ولكنها لاتبني دولا مدى الحياة ،وهذا يعود لميزان القوى لديها ، فتستمر طالما هذه القوة مستمرة واحيانا ترحل مع شخصية القائد الملهم، او بعدها بقليل ،وهذا ما وجدناه في التاريخ القديم والحديث .
فجمال عبد الناصر القائد العربي والملهم التي تجلت العروبة اوالقومية العربية بوجوده وارتفع شأنها ،جاء انور السادات بعده ليلغيها باتفاقية كامب دايفد ، وبعده حسني مبارك ليفسدها، فأين هذه القومية العربية اليوم؟.
وانطون سعادة باني عقيدة سوريا الكبرى او الهلال الخصيب حتى تاريخه لم تتحقق ولن يحققها سوى القوة ،وغيرهم كثر …احياء منهم واموات، يبنون مثاليات وايديوليجيا ،تحقق قسم منها ،ومنها لم ير النور .
اين لبنان من هذه القوة اليوم كي تتحالف الدول الكبرى معه ،بهدف تحقيق امانيه او ما يسعى اليه ،والحفاظ على ما تبقى .؟
نحن شعوب ليس لديها انتماء واحد، ولا تاريخ واحد ولا ايديولوجيات واحدة ،بل نملك قوى امنية منهكة ومقاومة نصف الشعب اللبناني لا يعترف بوجودها ،ونظام مصرفي متعثر واقتصاد منهار ،فهل بهذه المؤشرات السلبية قادرون نحن على ايجاد الحلول لها ؟، هل اجتمعت جامعة الدول العربية لمساعدتنا ؟
هل استطعنا ان نتوجه شرقا لتخطي اميركا على رغم انحيازها للدولة العبرية ،ونختارغيرها لمساعدتنا ؟
يجمعنا شيء واحد في لبنان اننا كلنا تجار ونبرع بهذه المهنة، فالتاجر الذكي يحدد خسارته، هذه الخسارة التي جلبناها بفسادنا وغبائنا ،ولنذهب الى اي مكان قادر على مساعدتنا ونحدد خسائرنا و ونمضي …ليبقى لنا وطن، لان لبنان لا نحميه بالشعارات الرنانة والعواطف المزيفة ، والايديولوجيا المرتبطة بخارج الحدود وبردود الفعل القاتلة ،بل بامكانياتنا المتوفرة والحلول الممكنة التي نتفق عليها جميعنا لحماية ما تبقى ،وحماية اجيالنا ووقف هجرة الادمغة وانقاذ لبنان.
قم بكتابة اول تعليق