لماذا لا يحصل المتقاعدون العسكريون على تعويضات نهاية خدمتهم ؟

بقلم العميد المتقاعد شارل ابي نادر
بالرغم من مرور عدة اشهر على صدور مراسيم احالتهم على التقاعد ، و تجاوز هذه المدة ما هو متعارف عليه قانونا وعرفا ، لم يحصل المتقاعدون العسكريون من كافة الاسلاك على تعويضات نهاية خدمتهم ، والسبب حسب مصادر وزارة المالية ، عدم وجود اعتمادات مالية لتغطية صرف هذه االتعويضات .
عمليا ، ومنذ فترة ليست بسيطة ، لم يعد مفهوما كيف تسير منظومة وزارة المالية لناحية تحويل الاعتمادات وصرف الاموال ، وهذه المنظومة كما يبدو لا تخضع لمعادلة مالية ادارية ثابتة ، فهي تفتح الاعتمادات لمصاريف واستحقاقات مالية وتحجبها عن الاخرى ، ولا أحد كما يبدو في هذه الدولة ، يملك القدرة او الامكانية لمعرفة او فهم هذه المنظومة وعلى اي اساس تُعتمد في انتقاء ما يتم صرفه ، او في تحديد ما يتم حجبه اوتأجيله او ترحيله ، لما بعد تشكيل الحكومة او لموازنة العام القادم او ربما لعدة أعوام ، والله العليم .
بمعزل عن احقية او عدم احقية هذه الازدواجية او العشوائية في صرف اعتمادات الاموال ، مع ترجيح وبقوة عدم شرعية هذه الازدواجية ، لا بد من إلقاء الضوء على معطيات وحيثيات وظروف تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين بشكل عام ، والتي يمكن تلخيصها بما يلي :

  • قانونيا : هذه التعويضات هي دين برقبة الخزينة لصالح المتقاعدين ، يجب صرفها استنادا للقوة الدستورية لجهازية توقيع مراسيمها ، والمتمثلة برئيسي الحكومة والجمهورية بالاضافة لوزيري المالية والوزير المختص ، بعد ان تتضمن بند اساسي يقضي ب : ” تصفى حقوق اصحاب العلاقة وفقا للقوانين والانظمة النافذة ” ، فهذا يعتبر كافيا قانونا لصرف اعتماداتها .
  • إداريا : طبعا هناك مخرج قانوني او شبه قانوني، ، يسمح بصرف تعويضات المتقاعدين ، دون التقيد بحرفية النص الذي يحدد طريقة ومسار صرف الاعتمادات تبعا لقوانين الموازنة والمحاسبة العمومية والتقاعد ، والاجتهاد الاداري والقانوني في الدولة ، سمح في حالات كثيرة بمثل هذه المخارج ، حتى ان القانون الاداري قد سمح اساسا بتجاوز حرفية النص عند وجود حالات استثنائية او حالات طارئة ، بشكل لا يتعارض مع الانظمة والتعليمات ، والاهم ان لا يتعارض مع روحية الدستور والقانون لناحية تأمين الحقوق لمستحقيها ، وفي جردة بسيطة وسريعة لكيفية صرف الاعتمادات حاليا في مالية الدولة ، ومقارنة هذه الصرفيات حسب الافضلية والقوة القانونية ، تستطيع اي مرجعية رسمية ان تكتشف سهولة وضرورة وامكانية صرف اعتمادات تعويضات نهاية الخدمة للمتقاعدين بشكل فوري .
  • إجتماعيا : اغلب هؤلاء المتقاعدين يحتاجون وبقوة لهذه التعويضات ، ليس للكماليات او للسياحة والسفر او لصرفها على امور غير ضرورية وغير طارئة ، بل هم يحتاجونها لتسديد اقساط مدرسية او جامعية لا ترحم ، او لتسديد ديون وسندات مستحقة لا تحتمل التأخير، تكاثرت وتراكمت عليهم مع فوائدها ، بعد ان كانت قد رُبِطت تواريخ تسديدها بقبض تعويضات نهاية الخدمة ، وايضا هناك حاجة ملحة لحصولهم على هذه التعويضات لتغطية مشاريع داهمة تتعلق بحياتهم وبحياة اولادهم ، بعد ان تم جدولتها استنادا لتاريخ حصولهم على تعويضاتهم ( المقدرة حسب القانون ) في توقيت كان معروفاً لديهم ، خاصة ان اغلبهم ربما ينتظرونه ( توقيت قبض تعويضاتهم ) منذ عشرات السنوات ، كما ان اعمار هؤلاء ، والذين تجاوزا سن التقاعد القانونية ، بالاضافة لاوضاع اغلبهم الصحية غير السليمة بشكل كامل ، والتي نتجت عن خدمات صعبة في ظروف صعبة ، لا تسمح لهم بممارسة اي عمل لتعويض ما يحتاجونه ريثما يحصلون على حقوقهم ، هذا اذا وجدوا عملا في ظل هذه الضائقة الاقتصادية الصعبة .
    مهنيا : لا يمكن لاي موظف مهما كان ، وخاصة للعسكريين من كافة الاسلاك ، ان يُكافأ في نهاية خدماته بهذه الطريقة غير العادلة ، التي تنمّ عن نكران للجميل وعن إستخفاف بما قدمه طيلة خدمته العسكرية في سبيل امن وراحة و استقرار الوطن والمواطنين ، وهذا ايضا يعتبر دين على مؤسسة كل متقاعد تجاهه ، يتوجب عليها حماية حقوقه والعمل على تحصيلها عندما يحتاجها ، تماما كما كان في خدمته يعمل باخلاص وتفانٍ لتنفيذ كافة الخدمات والمهمات التي تطلب منه ، عندما كانت مؤسسته تحتاجه ، وعندما كان الوضع والامن والمجتمع يحتاج الى وجوده في مهمته الحساسة والخطرة ، وعندما كان عرقه وسهره وتعرضه لاصعب الظروف والاخطار حاجة لاستمرارية الدولة والمؤسسة التي ينتمي اليها .
    معنويا : من الطبيعي ان التأخيرفي حصول هؤلاء المتقاعدين على حقوقهم سيؤثر سلبا على معنويات من هم في الخدمة الفعلية حاليا ، والذين لن يستبعدوا حصول نفس الشيء مع تعويضاتهم ومع حقوقهم ، والاهم من ذلك ، ان هذا سيؤثر حتما على انتاجية هؤلاء الذين اصبحوا يخافون على حقوقهم وحقوق عائلاتهم ، الامر الذي سوف يشتّت من تركيزهم وتفكيرهم لما ممكن ان ينتظرهم ، بعد بلوغهم التقاعد واستحقاق تسريحهم وحصولهم على تعويضاتهم ، والذي يقترب تباعا حسب خدمات كل منهم .
    اخيرا، وبمعزل عن كل ذلك ، تبقى الناحية الاخلاقية ، والتي لا يجب ان تسمح بترك هؤلاء المتقاعدين دون مساعدتهم بالحصول على حقوقهم ، والتي استحقوها بعد ان افنوا اعمارهم في سبيل تجميعها فلسا فلسا ، وليرة ليرة ، حيث يقضي الوفاء والواجب على المسؤولين الكبار ، المسارعة الى ايجاد المخرج المناسب ( وما اكثر هذه المخارج ) لتامين صرف تعويضات نهاية الخدمة لهؤلاء المتقاعدين ، حتى يتسنى لاغلبهم الحصول عليها والتصرف بها قبل ان تدهمهم المنية – لا سمح الله – وهم ينتظرونها .

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply