الكرسي والمسؤول

الكرسي والمسؤول…
للكرسي في بلادي نكهة خاصة وطعم مميز ومذاق لذيذ ، لا يعرفه سوى من تذوقوه وجلسوا على المقاعد، حيث تتغير بعد فترة قصيرة أفكار الإنسان المجردة بعد تولي المنصب وتتحول من أفكار خلّاقة تنوي الخير والمحبة والمصلحة العامة ونشر الفضيلة والسلام بين الناس إلى أفكار متقوقعة وهدّامة تخدم مصالحه الشخصية والآنية ومصالح أتباعه وأزلامه، وتتحول أولوياته وعلاقاته من وعود وصداقات ومحبة وخدمات، إلى تطنيش ورخاء ومحسوبيات ونكايات. حيث يسرح ويمرح تحت ظلاله بيّاضو الوجه وأصحاب القلوب السوداء والكلام المعسول ليستفيدوا من وراء ظهره سواء بعلمه أو بدونه.
والأمر لا يختلف كثيراً بصغر المنصب أم كبره أو نوعيته إن في الحكم أو السلطة أو المعارضة أو حتى في أي موقع آخر فسيكولوجية «الكرسي» واحدة لا تتغير لأن المكاسب هائلة في كل المناصب، مادية كانت أم معنوية خاصة مع زمرة المنتفعين وأصحاب المباخر المتواجدون لدي جميع الأطراف وفي كافة الدور والدواوين.
أيها الأحبة:
الكرسي في بلادي أصبحت كالعشيقة و الأفيون، فلا تجد من يستطيع الإقلاع عن هذا الداء بسهولة رغم كل ما يسببه من متاعب وقلق وسهر وسفر ووجع وألم وعذاب. لذلك نرى المسؤول يعلن دائماًً تركه واعتزاله السياسة نهائياً فور انتهاء دورته وعدم تعلقه بها ويكيل لها اللعنات أحياناً لما بات يضحي من نفسه وجسده وحياته الخاصة لأجل الناس ومصالحهم، لكن بعد سنوات قليلة وعند اول استحقاق تجده يتقدم باكراً لانتخابات أخرى، حتى أن معظم نواب الأمة يظلون يشتكون منذ اليوم الأول لانتخابهم من كثرة طلبات الناس عليهم ورعونة الجماهير مناصرين كانوا أم غير مناصرين ممن أوصلوهم الى مقاعدهم وإلحاحهم على طلب الخدمات التي لا تنتهي ناهيك عن إجحاف الحكومة بحقهم هم أنفسهم الذين يمثلونها ويشتكون أيضاً من زيادة المصاريف التي يتكبدونها من أجل خدمة الناس وانشغالهم الدائم عن أسرهم..
ويرتفع منسوب الشكوى والنية في عدم خوض الانتخابات مرة أخرى والعزوف عنها الى ما يقارب ال 80% لكنها تنخفض مع فتح باب الترشيح إلى أقل من 1% فعدد قليل جداً من المسؤولين هم الذين يستطيعون تحويل نيتهم بالعزوف إلى قرار فعلي.
هذا «الكرسي» الملعون في جميع المناصب والمجالات يصعب التخلص منه بسهولة ويعتبر المعارضون أنهم لا يستطيعون تنفيذ أي نموذج سلمي لتداول السلطة التي يطالبون بها النظام الحاكم، وكل جالس منهم على «كرسي» يتشبث به ولا يفرط فيه إطلاقاً حيث ان التفريط يبدو أصعب من مفارقة الروح للجسد باستثناء قلّة قليلة منهم يذكرهم الناس بالخير ويخلدهم التاريخ.
سيكولوجية المنصب تجعل «الكرسي» دائماً أهم لدى المسؤول من أبنائه وأشقائه وأصدقائه، وتجعله دائم التحسر والتفكير بكيفية المحافظة على تلك النعمة التي منحه اياها الله (وليس الشعب) كما يظن، فتراه يلزق في موقعه سنوات وسنوات ويكبر ويهرم ولا يزال متشبثاً بكرسيه حتى الرمق الأخير ولو صح له اصطحابها معه الى القبر لما تأخر ولا توانى…
ولكن أيها الأحبة كي لا نسهب أكثر في الحديث الذي قد لا ينتهي في وصف شره اولئك وحبهم لكراسيهم وتعطشهم لها وقد يكونوا محقين في عدم التخلي عنها بسهولة لما توفر لهم ولأتباعهم من عز وجاه وحماية ونعيم دنيوي ولكن يبقى علينا نحن الشعب أن نصحى من غفوتنا ونستفيق من رقدتنا ونحسن الإختيار في المستقبل ومن نريد أن يمثلنا ويمثل طموحاتنا وأحلامنا شرط أن لا يتغير ولا يتبدل ولا يتحول مهما تدرّج أو تعرّج في المناصب ولا تغرّه المكاسب، ولا المراكز ولا الكراسي…
فاقنع أيها الإنسان..فكل من عليها فان.
(منير خطار)

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply