صارت معي… العميد الركن المتقاعد رشيد عون

في نهاية شهر تشرين الاول من العام ١٩٩٧ انتدبت مع العميد غازي معوض والعميد حنا جروج الى كندا لتصنيع طرف اصطناعي بلفتة غير مسبوقة من قائد الجيش آنذاك العماد اميل لحود.

استأجرت انا والعميد معوض منزلا قرب السفارة اللبنانية في اوتاوا بينما استقر العميد جروج في منزل عديله.
في منتصف ليل العاشر – الحادي عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر َطرق باب منزلنا رجل خمسيني عرف عن نفسه بعد الاعتذار لتأخر الوقت انه ريتشارد باتن (Richard Patten) وزير الشؤون الاجتماعية في كندا ووزير مالية ولاية اونتاريو ونائب في البرلمان.

بعد التعارف اعلمنا انه تأخر بمعرفة وجود ضباط من ابطالنا هنا في اوتاوا رغم انه لم يمض على وجودنا هناك سوى اقل من اسبوعين ولا دخل لنا في الدفاع عن دول الكومنولث او عن كندا.

اخبرنا الوزير الكندي انه في اليوم التالي أي يوم الحادي عشر من شهر تشرين الثاني هناك احتفال تقليدي للشهداء الذين سقطوا من دول الكومنولث ابان الحرب العالمية الاولى(Remembrance day) ويتمنى حضورنا الاحتفال على ان يلي الاحتفال حفل غداء في نادي المحاربين القدامى. وانه، أي الوزير، ضيف الشرف في هذا الحفل.

وبالفعل توجهنا في صباح اليوم التالي الى الحفل برفقة السيدة اللبنانية ليلى ناصيف مالكة المنزل الذي كنا نقيم فيه.
ولدى وصولنا الى احدى حواجز قوى الامن ادركوا اننا ضباط معوقين مدعوين الى الحفل. ومن دون اي سؤال اضافي ركبت شرطية دراجتها واقتادتنا الى امام المنصة بسيارتنا وطلبت الينا الاستمتاع بالاحتفال وتَولت هي وزميل لها حراسة سيارتنا.

وكان الحفل عبارة عن استعراض عسكري شبيه بالاستعراض الذي يقام عندنا مع مرور الطائرات الحربية فوق المنصة ومع موسيقى الشرطة المحلية والجيش.

مما لفت نظري يومها في الاستعراض مرور مواكب اطفال المدارس باعمار لا تتجاوز الاثني عشر عاما.(كل اوتاوا كانت هناك).

لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لي كان عندما ابتدأ التصفيق الحاد فترى الوالد يصفق وابنه على كتفه بعمر لا يتجاوز السنتين يصفق معه هو الآخر وذلك اثناء دخول المحاربين القدامى الى ساحة الاستعراض. ولم يتوقف التصفيق الا بعد مرور آخر متقاعد.

كان بعضهم يسيرا شامخا والبعض الاخر يستعمل العكاز وآخرين على الكرسي المدولب والشيء الوحيد الذي يجمعهم هو الفخر بكونه حارب يوما ما في سبيل بلاده. والجميع، صغارا وكبارا يعتزون به.

لم اذهب الى حفل الغداء لارتباطنا بموعد آخر. لكنني عرفت من الوزير صاحب الدعوة الذي عاد الينا منهكا بعد الحفل كونه امضى ساعات َهو يلبس المريول ويقوم بواجبه، كضيف شرف، بسكب الاكل للمحاربين الذين حافظوا على بلاده حتى يتسنى له هو وغيره العيش بكرامة.

العميد الركن المتقاعد رشيد عون

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply