التدقيق الجنائي بين حجر الاستاذ ..ودعسة الرئيس

بقلم العميد ر.م.جورج جاسر
مر التدقيق الجنائي المالي في لبنان بمخاض عسير ، ويسير على طريق جلجلة يصعب على المرء التكهن بكيفية سلوك هذا الطريق وصعوباته ،وما هي العثرات التي توا جه حامل هذا الملف، قبل الوصول الى خشبة الصلب و بعدها الى القيامة.
في الامس اجتمع مجلس النواب في الاونيسكو مع عدد من نواب الامة ليتدارسوا رسالة فخامة رئيس البلاد التي وجهها الى مجلس النواب ليسأله فيها عن سبب فشل  شركة “الفاريز مارسال”
في مهمتها ،وعن سبب تمنع مصرف لبنا ن من تسليم المستندات لها للقيام بالتدقيق الجنائي ومعرفة مصير الاموال المنهوبة، وكل مايتطلبه التحقيق والتدقيق الجنائي من مستندات لكي يبنى على الشيء مقتضاه.
قرر مجلس النواب مع نواب الامة بالاجماع، الموافقة على التدقيق المالي على مصرف لبنان دون رفع السرية المصرفية وهي الحجة التي وضعت بوجه الشركة الفرنسية لتفشيلها وترحيلها الى حيث اتت، مع خسارة تكبدها لبنان (مئة وخمسون الف دولار أميركي) بسبب تمنع لبنان عن تسليم المستندات وكبند جزائي من جراء هذا التأخير .وقرر ايضا المجلس توسيع التحقيق ليشمل الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة والمجالس كافة وبالتوازي ليكتمل المشهد السياسي المتعثر ولرفع الغبن عن مصرف لبنان لانه ليس المسؤول وحده عما وصلت اليه البلاد من انهيارات ومآس.
حتى الان ينشرح صدر الانسان ويفرح بهذا الانجاز ويجد المرء نفسه  انه في دولة ديمقراطية كاملة الاوصاف وان ما تم ، يوحي بان غدا سيخفض سعر الدولار الى ما دون الاربعة الاف، وان اسعار السلع ستعود الى ما كانت عليه وان التحقيق  بهذه الملفات سيبدأ بالاسبوع المقبل.
كلنا امل بان يسلك هذا التحقيق الجنائي خواتيمه السعيدة، وطبعا ان نبقى متفائلين لان فسحة العيش بهذه الايام الصعبة تضيق اكثر لولا هذا الامل الحذر ،الذي اعتدنا عليه وخيبات الامل التي منينا بها من دولة اعتادت على ان لا تنجح بملف واحد ومتابعته حتى خواتيمه وكشف نتائجه امام الرأي العام.
فما هي اسباب هذا التشاؤل؟ 
في الشكل، نجح رئيس الجمهورية بان يقول للبنانيين:” انني انا قمت بواجبي الدستوري حتى النهاية وسجلت نقطة ايجابية اضافية لعهدي الذي تعرض للنقد والاهتزاز من القريب والبعيد”، وان يجمع الشمل ويكمل مسيرة الاصلاح والتغيير الذي وعد اللبنانيون بها.
ونجح ايضا رئيس مجلس النواب برفع التهم عنه بانه حام للفساد واعطى اشارة ايجابية العهد بانه ليس معرقلا لمسيرة التحقيق والتدقيق بل ارنب مخفي في المضمون بقي في جيبه، “بتوسيع دائرة التدقيق على الادارات كافة، العامة منها والخاصة ،وبالتوازي مع التشديد على كلمة توازي”.
حق اللبنانيين ان يسألوا ،كيف لقضاء يعاني ما يعانيه من تدخلات سياسية والتعاطي بشؤونه حتى العضم، ان يستطيع ان يحاكي هذه الملفات كلها في زمن قياسي بعد انجاز التدقيق  ،والكل يعلم ان من يكبر الحجر لا يستطيع رميه ؟.
اضافة الى ان هذه الملفات ستصطدم بعقبة مهمة وهي ان القضاة  والنيابات العامة كلها مسيّسة وتم تعيينها من قبل السلطة السياسية ،فهل تفكرون معي كم من الوقت سيستغرق تعيين قاض لتحمل مسؤولية ملف واحد؟ وكم بالحري تعيين عدد كبير من القضاة لاستلام هذا الكم الهائل من الملفات!!!، وكم يستغرق من الوقت ؟الم يكن من الاجدى تضمين رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب الموافقة على قانون استقلالية القضاء في الوقت نفسه، لضمان نجاح عمل القضاء بتلك الملفات ،التي لا يقل شأن اي ملف عن الاخر والوصول بها الى خواتيمها دون تدخل او عرقلة ؟
ام هي دعسة ناقصة في رحلة الالف ميل؟

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply