بقلم العميد .ر.م. جورج جاسر
يعيش لبنان في هذه الاوقات الحرجة من تاريخه الحديث سلسلة من الازمات الصعبة والدقيقة، يكاد المرء لا يميز بين تلك الازمات على اهميتها ،ويصعب عليه الاختيار بين اولوياتها ،للبدء بايجاد الحلول لها ،نظرا لتشعبها وتشابكها وتأثيرها على حياته من جهة، وخطورتها على الكيان من جهة ثانية.
تعلمنا من تجارب الدول التي مرت عليها ازمات مماثلة، او مختلفة عنها ،ازمات طارئة ام محتملة ،انها تقوم بجمع اصحاب الاختصاص او اركان الدولة الى التداعي في ما بينهم ، للتباحث لانشاء خلية للازمة ووضع الخطط، لاتقاء الاخطار و ايجاد حلول لها ،والتخفيف من ضرر محتمل ، وتسريع العودة الى الحياة الطبيعية ،بعدلملمة الخسائر ،والتعويض على المتضررين.
فكيف اذا كانت الازمات بحجم وطن ومصير شعب.؟
هذا ما يحصل عادة في المجتمعات التي لديها دول، ومؤسسات تعمل بانتظام ،وقانون يضبط ايقاعه عليها ،وعلى مؤسساتها الرسمية التابعة لها ،والسلطات الفاعلة المنبثقة من تلك الدول.
لا داعي لتعداد الازمات التي يعيشها لبنان وشعبه، لان العداد يتوقف عن العد او يعجز ،نظرا لتعددها ،وخطورتها، او تشابكها وتعقيداتها.
*فماذا يحصل عندنا في بلد الارز؟*
حركة تفاعل ناشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة ،واجتماعات افتراضية ،ولجان ومناقشة وتوصيات ،
نخب من فئات المجتمع تقوم بعصف ذهني تتناسب مع قضاياها الفئوية ،هذه النخب ،تبحث وتناقش ،تقترح، تغضب، ترفع الصوت، تنظر ، ثم الى يوم آخر.
اناس افتراضيون يتناقشون يتخاطبون يضعون شعاراتهم وهمومهم على بوستات ،علهم يجدون لها حلولا يتفقون ،واحيانا يتخاصمون ،والى موعد آخر مع شعار وبوست آخر،ويوم آخر.
وسائل اعلام مطيفة، تستقبل محظيين ورجال فكر ،وسياسيين عباقرة ،نواب فلاسفة، وزراء مغلوب على امرهم ،اجتماعات رسمية مكثفة ، سلطات رسمية وحركة موفدين ،ودعت فلان واستقبلت علان ،وبيانات طنانة والى يوم آخر .
سياسي يتشدق بخطابات العفة والدفاع باسهاب عن ولي امره ،ويرمي الاتهامات يمينا ويسارا.
قاض غارق بين ملفاته و تراه في حيرة من امره للفصل بين ملفات يقبلها واخرى يرفضها ، عله يجد ملفا يرضيه او يقبله ، تناسب طموحاته اوترضي ولي امره.
دعاوى ،وملفات في درجه مر عليهما الزمن ،ويعلوها الغبار ،دون احكام او قرارات ،وموقوفون بالمئات في السجون احتياطا ،بانتظار الفرج ،يتمنو ن وباء العصر للافراج عنهم ،او محاولة لفرار ،منها ما ينجح واخرى قيد التحضير ،او سجن حتى اشعار آخر…
*ماذا عن مشهدية المواطن ويومياته وكيفية مواجهته او تلقفه لهذه” الحركة دون بركة”، كما يقول المثل بالعامية.؟*
زحمة اناس امام المصارف تقف خائبة امام واجهات مصفحة تشعرك انك امام سجن علك تفرح برؤية جنى العمر المسجون في داخلها ،الا انك بعد طول انتظار تضع زهرة امام مقبرة من نوع آخر وتمضي ،والى موعد آخر.
مواطن مصدوم ،يحمل شعارات زعيمه،مؤدلج، تتوقف قدرته عن التفكير ،غارق في هموم معيشته ،وسائق تاكسي يفاجئك بركن سيارته بمنتصف الطريق من اجل تحصيل لقمة عيشه ،فتصطدم به وتصرخ وتغضب وتمضي لانه غير قادر على اصلاح الضرر …
زحمة سير خانقة ،وجوه عابسة وعيون جاحظة ،جاهزة ،لتنبئك بشر مستطير عند اول احتكاك معها ، وافكار تائهة مع آخرين ، وتذهب الى منزلك في نهاية اليوم دون غلة ،والى يوم آخر .
اسواق تستقبل الاعياد من دون زينة ومن دون فرح ومن دون ناس، لان جيوبها فارغة وبطونها ضامرة، وفي عيونها حسرة، لان اولوياتها في مكان آخر.
اناس تلتزم بيوتها تحجر نفسها او مصابة بوباء العصر ،رجال فكر مغيبون تخلفوا طوعا او قسرا عن ايجاد الحلول ،لان طروحاتها لا تناسب الطغمة الحاكمة .
ومع هذه الحالة ،فالآدمي لا مكان له ،فملزم بان يتحول الى ارعن ،والفاسد يزيد فسادا ،والازمات تزداد حدة ،والتاجر يصبح اكثر فجورا، والدولار اعلى مقاما والاسعار تجتاج الرواتب ،والمتسولون يقرعون الابواب، والجائعون يتسابقون مع القطط والكلاب امام براميل القمامة ، علهم يجدون ما تبقى فيها ليأكلونه …
هذا غيض من فيض واللائحة تطول بالوصف،لان الامور معقدة والسلطة مغيبة، والضمير مفقود والاخلاق معدومة ،والمسيرة طويلة والازمات تتضخم ،والحلول مستبعدة والشعب مخدر ، والافق مظلم .
ليرحم الله شعبنا المعذب لانه يعيش في بلد حكم عليه بالاعدام ،من دول حاقدة ،طامعة ،وسلطة فاسدة ظالمة ،عقيمة .
* فانت ايها المواطن مخير بين ان تعيش كريما عزيزا ،حرا وتنتفض لكرامتك،و اما انت تبقى في وطن يشبه عصفورية بلا مجانين؟*
قم بكتابة اول تعليق