الداخلية تشدّد الرقابة على الجمعيات: ضبط التفلّت أم مصادرة حريات؟
تعميم تشديد الرقابة على الجمعيات غير الحكومية، الصادر عن وزارة الداخلية والبلديات، أثار جدلاً في أوساط الناشطين والحقوقيين المعنيين بملف عمل الجمعيات. مع الاقرار بضرورة ضبط «التفلّت الجمعياتي»، إلا أن التعميم حمل نفساً صارماً يثير الخشية على الحريات
مطلع الأسبوع الجاري، أصدر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق تعميماً (رقم 24/إ.م/2018) يقضي بتشديد رقابة الوزارة على عمل الجمعيات غير الحكومية. التعميم استند إلى المادة السابعة من قانون الجمعيات (3/8/1909) التي تشترط على كل جمعية وجود هيئة إدارية لإعداد سجّلات تتعلّق بهوية أعضاء الجمعية وتاريخ دخولهم، وتدوين مُقرّرات الهيئة الإدارية ومخابراتها وتبليغاتها وتسجيل ما يعود للجمعية من واردات ومُفردات المُصارفات ونوعها ومقدارها، على أن تُبرَز هذه السجلات إلى «الحكومة العدلية والمُلكية» (مُصطلح مُقتبس من قانون 1909 ويعني وزارة العدل) في أي وقت تطلبها.
كما استند التعميم إلى المادة السابعة من مشروع القانون المنفذ بالمرسوم رقم 10830 تاريخ 9/10/1962، المتعلّقة بوجوب تقديم كل جمعية، الى وزارة الداخلية، لائحة تتضمن أسماء أعضائها ونسخة من موازنتها السنوية وحسابها القطعي السابق، والمادة 21 من المرسوم رقم 4082 تاريخ 14/10/2000(تنظيم وزارة الداخلية والبلديات) المتعلّقة بتولي دائرة الشؤون السياسية والأحزاب والجمعيات مراقبة الجمعيات والأحزاب والأندية الخاصة والتأكّد من أن نشاطاتها لا تخالف الغاية التي أنشئت من أجلها.
ورغم أن التعميم أكّد حرص الوزارة على«توفير المناخ الديمقراطي والقانوني للجمعيات»، إلّا أنه لم يخلُ من «نَفَس» صارم يوحي بنية «تطويقية». فقد ورد فيه، مثلاً، أنّ كل جمعية تمتنع عن إبلاغ الحكومة بما هو مطلوب منها تُعدّ بمثابة «جمعية سرّية» و«غير قانونية، للدولة حق حلّها ومصادرة أموالها وملاحقة بعض أعضائها».
بعض الجمعيات رأت في التعميم انتهاكًا لـ «أهم الحقوقالمحمية في لبنان»، والتي تتمثّل بالحق في حرية إبداء الرأي وحرية الإجتماع وحرية تأليفالجمعيات، مُشيرةً إلى أنّ المادة 13 من الدستور نصّت صراحة على أنّ حرية تأليف الجمعياتمكفولة ضمن دائرة القانون. كما أن مجلس شورى الدولة اعتبر، في قرار صدر عام 2003، أنحرية الإجتماع وتأليف الجمعيات كفلها الدستور، «ولا يجوز وضع قيود على تأسيسها واجازةحلها الا بنص قانوني، ولا يجوز اخضاعها لجهة صحة تكوينها لأي تدخل مسبق من جانب الادارةولا حتى من جانب القضاء». إضافة الى أن المادة 22 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنيةوالسياسية تنص على أنه «لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التيينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية (…)». وكل هذه المواد القانونية والدستورية تسمو على تعميم وزاري.
«الأخبار» حاولت الوقوف على رأي الوزارة حول خلفيات التعميم وأسبابه، إلّا أن الموظف المعني بالملف رفض التجاوب واكتفى بطلب قراءة التعميم.
وفيما يبدو ضرورياً وضع ما يُشبه حدوداً عريضة لمراقبة عمل الجمعيات التي تتلقى تمويلاً من الخارج للوقوف على أهدافها ومدى تعارضها مع المصلحة الوطنية، خصوصاً بعد الانفلاش التي شهدته جمعيات ما يسمى بالـ NGO›s، الا أن هناك خشية من أن يتحوّل التعميم وسيلة للمسّ بحريّة الجمعيات وتطويق أدائها وإخضاعها.
وزير الداخلية السابق زياد بارود قال لـ «الأخبار»إنّ التعميم «يعبّر عن حسن نية وخطوة في سبيل ضبط بعض الجمعيات المتفلّتة»، لكنه لفتالى أنه «لا يمكن تخطي الدستور (المادة 13) والقانون الصادر سنة 1909». فهذا الأخير،على رغم «عثمانيته»، إلا أنه «ليبرالي حامٍ للحريات. وتالياً، يجب تجنّب أي نص تنظيميقد يبدو متعرضاً لأي نوع من الحريات ولو بشكل قليل، خوفاً من بلوغ وقت تمسّ فيه الحرياتبشكل غير مقصود». المطلوب، وفقاً لبارود، هو ملاحقة «جمعيات الأشرار» المشكوك بأمرها، من دون التأثير على الجمعيات الفاعلة، وإعادة طرح مشروع تنظيم مالية الجمعيات الذي اقترحته الوزارة عام 2010، بشكل تبقى فيه الجمعيات وحرياتها محمية، ومضبوطة في الوقت نفسه.
قم بكتابة اول تعليق