بقلم العميد المتقاعد شارل ابي نادر
بالامس انتقد بعضهم الجيش على خلفية اجراءآت سير نفذها في سط بيروت تحضيرا لاحتفاله السنوي بعيد الاستقلال ، حيث تأخروا بعض الوقت عن اشغالهم ، وقد كان لهذه الاجراءآت حقيقة بعض التأثير السلبي على حركة وطبيعة انتقال المواطنين .
قسم من هؤلاء كان بانتقاده عاديا بحيث لم يتخطى بملامته الانتقاد الا على عدم الاعلان مسبقا عن التمارين ، قسم آخر انتقد مناورة الجيش ” الخطأ ” كما ادعى ، في طريقة قطع الطرقات وعزل بقعة التمرينات ، وقسم آخر رفع السقف قليلا مصوبا على عدم الضرورة من المثابرة على تنفيذ العرض العسكري كل عام ، وعلى الاقل تنفيذه خارج العاصمة في احدى ثكنات الجيش المناسبة للاحتفال برتوكوليا او لوجستيا ، وهناك قسم آخر رفع السقف اكثر ، منتقدا الاحتفال بعيد الاستقلال في ظل الوضع الاقتصادي المهترىء ، وفي ظل وضع سياسي غير متوازن ، حيث لا اتفاق داخلي على تشكيل حكومة لتسيير امور الناس ومواجهة الضغوطات المختلفة .
هذه الانتقادات بمختلف مستوياتها ، تبقى ضمن السقف المقبول ، وهي ربما تعبر عن غضب او انفعال آني ، اصاب المواطنين الذين هم في الحقيقة منزعجون من امر آخر ، يتعلق بالوضع الضبابي بشكل عام ، الاقتصادي والسياسي ، فلجأوا الى انتقاد حالة طارئة ، لا تلبث ان تنتهي ، ويعودون باغلبهم الى نظرتهم الاساسية المتوازنة تجاه المؤسسة العسكرية ، ولكن …
ان يصل مستوى الانتقاد لدى البعض ، ممن هم مسؤولون في الاقتصاد او السياسة او الاعلام ، لاعتبار ان من اهم اسباب المشكلة الاقتصادية والهريان المالي الذي يصيب الدولة بشكل عام ، هي سلسة الرتب والرواتب وتعويضات المتقاعدين و بالاخص العسكريين منهم ، و حيث وصل الامر بهؤلاء الى طرح اقتراح سحب السلسلة وما حصل عليه الموظفون من تعويضات عبرها ، واعادة النظر بالقوانين التي رعتها واصبحت نافذة .
هؤلاء الذين يتهمون اليوم متقاعدي الجيش والاجهزة الامنية بالتسبب بالمشكلة الاقتصادية ، هل يعلمون ماذا يعاني العسكريون خلال تنفيذ مهماتهم اثناء خدمتهم العسكرية من صعوبات قاسية ، تطال حياتهم ووضعهم الصحي والنفسي احيانا ، مع الضغوط الاجتماعية والعائلية التي تنشأ لدى كل منهم بسبب صعوبة متطلبات الحجز الطويل والمهمات بعيدا عن العائلة ؟
هؤلاء الذين يتنعمون اليوم بما يملكونه من شركات ومصالح ومؤسسات مالية ، تسمح لهم بتوجيه الانتقاد للحكومة من موقع قوي ، هل يعلمون ما كان وضعهم ووضع مؤسساتهم لو التزم الجيش بثكناته بضعة ايام او ساعات حتى ، ممتنعا عن الانتشار الخطر في الشوارع والاحياء اثناء الحوادث الامنية والمعارك الكثيرة التي اندلعت بسبب العلاقات المشبوهة لامثال هؤلاء المرتهنين السارقين الاستغلاليين ؟
هؤلاء الذين يضعون مسؤولية الانهيار المالي على حصول المتقاعد على بضعة ملايين من الليرات الفاقدة قيمتها ، بسبب جشعهم وطمعهم مستفيدين من ارباح طائلة ، حصلوا عليها من جراء تلاعبهم بالليرة في مؤسساتهم المحمية والمصانة بواسطة العسكريين المنتشرين ليلا ونهارا لحماية فخاماتهم وحضراتهم في اماكن اعمالهم وتجاراتهم .
يعودون اليوم ، ابناء الحقد والجشع ، ليضعون اللوم على سلسلة رواتب افنى الكثير من العسكريين اعمارهم بانتظارها ولم تأتي ، و حين اتت لم تستطع ان تسد بعضا من حاجتهم الاساسية بسبب الوضع المالي المتدهور ، الذي خلقه هؤلاء الحقودين الجاحدين لتغطية منافعهم وارباحهم الخيالية .
هل يعلم هؤلاء ال ….. ماذا سيكون عليه وضعهم ومكانتهم المالية والتجارية لو تأخر بعض العسكريين عن تنفيذ حاجز امني يحمي مؤسساتهم بضعة دقائق ، ستكون كافية لسيل من الفقراء والمعوزين ينتظرون بفارغ الصبر لنهش اجساد هؤلاء التجار الحقودين ناكري الجميل وتدمير مؤسساتهم وحرقها عن بكرة ابيها ؟
فليخرس هؤلاء السماسرة عن وضع اللوم على حقوق وتعويضات ابناء المؤسسات الامنية والعسكرية في التدهور المالي ، ولينصرفوا ، اذا استطاعوا ، الى معالجة الاسباب الحقيقة للهدر والتدهور الاقتصادي و المالي ، وليعيدوا ما سرقوه وما حصلوا عليه من اموال طائلة ومن ثروات خيالية خداعا وتهريبا واحتكارا ، وليعلموا ان قسما بسيطا من اموالهم المكدسة في المصارف في الداخل او في الخارج ، كفيل باعادة التوازن الى الليرة والى الوضع المالي والاقتصادي .
قم بكتابة اول تعليق