جردة حساب سريعة:
قرابة عام مضى على انطلاقة حراك العسكريين المتقاعدين حيث لبّى الآف الرجال النداء الذي أطلقه حضرة العميد مارون خريش رئيس ما اصطلح على تسميته لاحقاً ( الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى) وقد حضروا من كل الأماكن والأصقاع والبلدات والقرى ومن كل الطوائف والملل والنِحل ومن كل الأسلاك والأجهزة العسكرية والأمنيه، افترشوا الطرقات نصبوا الخيم تظاهروا، رفعوا الصوت عالياً زاروا كل الفعاليات والمسؤولين وشرحوا لهم الغبن والظلم حتى أنهم حاربوا بالأمعاء الخاوية، أقفلوا مؤوسسات رسميه كالمصرف المركزي والبور ومبنى ال TVA والواردات وكانوا راقين جدا في كل مرة يختارون هدفهم بحيث لا يعيقوا امور العامة من الناس ولم يتركوا عقب سيجاره ورائهم. انتظموا في شبكات للتواصل الاجتماعي وفي مجموعات منظّمه وعبّروا عن هواجسهم وغضبهم والإجحاف والمجزره التي لحقت بهم في سلسلة الرتب والرواتب، اعتلوا المنابر وزينوا الشاشات ولم يألوا جهداً إلا واستخدموه ولا طريقا إلا وسلكوه ولا باباً إلا وطرقوه ليتبين لاحقا ان الغالبية خذلوهم وتكالبوا على سلبهم حقوقهم ومعاقبتهم والاقتصاص منهم وعملوا على شرذمتهم والتشويش عليهم وتشويه صورتهم واشاعوا انهم حصلوا على كامل حقوقهم في حين انهم حصلوا على مئة الف ليره فقط ووعدوهم بدفع الباقي بعد عامين، ومن يضمن ان يعيش للغد ومن يدري ما يخبأ لنا المستقبل اذ اننا نعيش في بلد العجائب. ولكن رغم كل هذا المخاض العسير كان لا بد من جردة حساب سريعه والتوقف والتفكر مليا بالنتائج والوقائع التي تحققت لحينه بهذه المدة الزمنيه القياسيه.
1_ عادةً بعد التقاعد يتحول العسكريون من كافة الرتب والاسلاك الى مهمشين لا بل منسيين لا وزن لهم ولا كلمه ولا قيمة ولا حضور رغم المراكز التي شغلوها سابقا والتضحيات التي بذلوها والدماء التي سالت منهم على مذبح الوطن.
2_ أتت سلسلة الذل والعار لتسلبهم حقوقهم ومن بعدها مشاريع قوانين تهدف الى تعديل قانون التقاعد حيث الهدف سلبهم ارواحهم ورميهم لأقدارهم بحيث يصبحوا كهولاً مشتتين لا حول لهم ولا قوة سوى ان يأكلوا ويشربوا كبقية مخلوقات الله من البشر وغيرهم…
3_ هبّت مجموعه من الضباط والرتباء والافراد الأوفياء ممن لديهم فائض من الكرامة والعنفوان الى الانتفاض بوجه الظلم ودلّت على المشاريع المشبوهة الواضحة التي تستهدفهم في لقمة عيشهم ومصدر رزقهم الوحيد بعد ان افنوا زهرة عمرهم في خدمة وطنهم والذود عن كل ذرة من ترابه المقدس غير آبهين بالخطر والتهديدات التي سوف تواجههم.
4- ألتف حول هؤلاء الرجال اعداد كبيره من الابطال الذين آمنوا بقضيتهم المشتركه واصبحت الثقافة تعمم على كل المعنيين من خلال ندوات واجتماعات ولقاءآت متنقلة في كافة المناطق اللبنانيه.
5_ بعد بضعة أشهر انتظم العمل وتوضحت الصورة اكثر فاكثر فالكل بات يعرف الكل وبان الصديق من المتلبّس والمقنّع والعدو واصبح هناك لجان رسميه وشبكات تواصل مُحكمه ولغة حوار واحده عابرة للطوائف والمناطق بغيتها المحافظة والنهوض بوطننا الحبيب لبنان نحو الأفضل.
6- لم تعد القصة قصة حقوق فقط ولا حفنة من الأموال بل أصبحت قضية وطنية بحجم الوطن ترمي الى مكافحة الفساد بكل اشكاله المتجذر في شرايين الوطن كل الوطن بحيث اصبح وباءً وسرطان يفتك بكل شيء ولا بد من استئصاله ولو كان العلاج طويلا.
7_ أصبح للمتقاعدين هيكلية ومرجعية رسمية تضم مع انطلاقة خطوتها الاولى الآلاف وبازدياد دائم ومستمر خلافاً لما نشهده في اي من الحركات الاخرى التي لا تلبث ان تنطلق حتى تضمحل تتلاشى سريعاً.
8_ إننا ندعو زملاؤنا الذين لا زالوا مترددين او غير مدركين للخطر الذي يتهددهم، الانضمام لرفاقهم والانخراط في صفوفهم متعالين عن الصغائر والمناصب والمراكز وسفائف الامور رغم كل التأخير، والعمل مع رفاقهم بروحية المجموعة والفريق كما كانوا في وظائفهم سابقا اذ لا قيمة لمن يغرد وحده وحيدا خارج سربه.
اخيراً : ندعو ونناشد بكل محبة الرؤوساء والضباط والقادة الكبار في الخدمة الفعلية وفي كافة الأجهزة الأمنيه والعسكرية من أعلى الهرم الى اسفله وكل من موقعه والذين يشغلون مناصب رياديه وقيادية وحساسة، محاولة العمل وبذل الجهد لإعادة الإعتبار للعسكريين وبخاصة المتقاعدين منهم وإعطاء هذه القضية الأولوية في كافة المجالات، لأنها اعوام قلائل او ربما أيام قلائل وسوف تتقاعدون وتزول السلطة من أيديكم وستعودون للواقع المرير والحياة المدنية حيث لا يوجد هناك رئيس ولا مرؤس ولو دامت لغيرك لما آلت اليك ولكن من يزرع منكم الخير اليوم لا بد أن يجنيه غداً وسيكسب ود ورضى ومحبة وتأييد الآلاف من إخوانه المتقاعدين جميعاً على مساحة الوطن وسوف يحجز مقعده في صفوفهم الأمامية منذ الآن، ولن يشعر يوماً بالوحدة او العزلة او الكأبة او الانطواء بعد التقاعد كما يشعر الكثير ممن كانوا كبار الأمس وأصبحوا اليوم ضائعين مشتتين منسيين في غياهب النسيان… وإن الله مع الجماعة وهو ولي التوفيق.
منير خطّار
قم بكتابة اول تعليق